الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
السابع أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء.وقال صلى الله عليه وسلم ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل.وقال سفيان بن عيينة لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين.الثامن أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا قال ابن مسعود كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا.وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي فإذا دعوت فاسأل الله كثيرا فإنك تدعو كريما.وقال بعضهم إني أسأل الله عز وجل منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة سألت الله تعالى أن يوفقني لترك ما لا يعنيني.وقال صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل الحمد لله على كل حال.التاسع أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال قال سلمة بن الأكوع ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب.قال أبو سليمان الداراني رحمه الله من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما وروى في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علي فإن الله تعالى أكرم من أن يسئل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى.رواه أبو طالب المكي.العاشر وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة فذلك هو السبب القريب في الإجابة فيروى عن كعب الأحبار أنه قال أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقى بهم فلم يسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يسقوا فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام إني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمام فقال موسى يا رب ومن هو حتى نخرجه من بيننا فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما فقال موسى لبني إسرائيل توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث.وقال سعيد بن جبير قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل فاستسقوا فقال الملك لبني إسرائيل ليرسلن الله تعالى علينا السماء أو لنؤذينه قيل له وكيف تقدر أن تؤذيه وهو في السماء فقال أقتل أولياءه وأهل طاعته فيكون ذلك أذى له فأرسل الله تعالى عليهم السماء.وقال سفيان الثوري بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم إلي بأقدامكم حتى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيا ولا أرحم لكم باكيا حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمطروا من يومهم.وقال مالك بن دينار أصاب الناس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مرارا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى بأبدان نجسة وترفعون إلي أكفا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعدا وقال أبو الصديق الناجي خرج سليمان عليه السلام يستسقى فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا فقال سليمان عليه السلام ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.وقال الأوزاعي خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة فقالوا اللهم نعم فقال اللهم إنا قد سمعناك تقول ما على المحسنين من سبيل وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا اللهم فاغفر لنا وارحمنا واسقنا فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.وقيل لمالك بن دينار ادع لنا ربك فقال إنكم تستبطئون المطر وأنا أستبطئ الحجارة وروى أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلما ضجروا قال لهم عيسى عليه السلام من أصاب منكم ذنبا فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد فقال له عيسى عليهم السلام أما لك من ذنب فقال والله ما علمت من شيء غير أني كنت ذات يوم أصلي فمرت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلما جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها فقال له عيسى عليه السلام فادع الله حتى أؤمن على دعائك قال فدعا فتجللت السماء سحابا ثم صبت فسقوا وقال يحيى الغساني أصاب الناس قحط على عهد داود عليه السلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم فقال أحدهم اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا وقال الثاني اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا اللهم إنا أرقاؤك فأعتقنا وقال الثالث اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فسقوا وقال عطاء السلمي منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر فنظر إلي فقال يا عطاء أهذا يوم النشور أوبعثر ما في القبور فقلت لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فقال يا عطاء بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية فقلت بل بقلوب سماوية فقال هيهات يا عطاء قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير ثم رمق السماء بطرفه وقال إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولكن بالسر المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ما سقيتنا ماء غدقا فراتا تحيي به العباد وتروي به البلاد يا من هو على كل شيء قدير قال عطاء فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه القرب فولى وهو يقول:
وقال ابن المبارك قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرة الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك فأسألك يا حليما ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب قال ابن المبارك فجئت إلى الفضيل فقال ما لي أراك كئيبا فقلت أمر سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخر مغشيا عليه.ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال. اهـ.فصل في منزلة الخوف: .قال ابن القيم: ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة الخوف.وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب وهي فرض على كل أحد.قال الله تعالى 3: 175 {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقال تعالى 2: 40 {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وقال 5: 44 {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن} ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم فقال 23: 57، 61 {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت «يا رسول الله قول الله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال: لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه» قال الحسن: عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم إن المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا.والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة قال أبو القاسم الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجارى الانفاس.وقيل: الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف.وقيل: الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام وهذا سبب الخوف لا أنه نفسه.وقيل: الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.والخشية أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله قال الله تعالى [35: 28]: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فهي خوف مقرون بمعرفة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية».فالخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك: له حالتان:إحداهما: حركة للهرب منه وهي حالة الخوف.والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه وهي الخشية ومنه: انخشى الشيء والمضاعف والمعتل أخوان كتقضي البازي وتقضض.وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه.وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع.وأما الوجل فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته.وأما الهيبة: فخوف مقارن للتعظيم والإجلال وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة والإجلال: تعظيم مقرون بالحب.فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» وفى رواية «خوفا» وقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى».فصاحب الخوف: يلتجئ إلى الهرب والإمساك وصاحب الخشية: يلتجئ إلى الاعتصام بالعلم ومثلهما مثل من لا علم له بالطب ومثل الطبيب الحاذق فالأول يلتجئ إلى الحمية والهرب والطبيب يلتجئ إلى معرفته بالأدوية والأدواء.قال أبو حفص: الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه وقال: الخوف سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله عز وجل فإنك إذ خفته هربت إليه.
|